تعديل

الخميس، 9 أبريل 2015

العنصرية ما بين تاريخ أمريكي X وحسن ومرقص

لا شك بأن أفضل الأعمال الفنية هي تلك التي تطرح أسئلة لا إجابة لها، وفيلم American History X من إنتاج عام 1998، إخراج توني كاي Tony Kaye وبطولة إدوارد نورتون وإدوارد فيرلونج، في دورين من أروع ما قدما، هو خير دليل على العمل الفني الذي يطرح سؤالاً صادماً، ومصيرياً، ثم يتركك في قاعة السينما مذهولاً، تشاهد تتر النهاية بينما عقلك في صراع للبحث عن الإجابة، فقط لتعجز عن هذا، وترحل شاعراً بالبؤس، وربما بالدنس.
ليس فيلم American History X فيلماً عظيماً على مستوى التكنيك والإخراج، هو يعاني من عيوب الفيلم الأول المعتادة ـ هو فيلم مخرجه توني كاي الروائي الطويل الأول، بينما أخرج قبله عددًا من الفيديو كليبات الشهيرة لأسماء موسيقية لامعة مثل Red Hot Chili Peppers وJohnny Cash ـ كما أن الكليشيهات في التصوير وإخراج اللقطات بدا واضحاً في أكثر من مشهد، مثل وقوف ديريك بطل الفيلم عارياً أمام المرآة وقد سالت المياه على وجهه بعد اغتساله عند خروجه من السجن، ومشهد ركضه بالحركة البطيئة عند علمه بحدوث إطلاق نار في مدرسة أخيه، وتكرار استخدام الحركة البطيئة في عدة مشاهد أخرى، منها مشهد القبض على ديريك، والذي رفعه إلى مصاف الإبهار.
American History X
أداء إدوارد نورتون العبقري كان مرعبًا وأجاد فيه التعبير باستخدام لغة الجسد ونظرات العينين، وأضفت الوشوم العنصرية البغيضة التي تزين جسده على المشهد قشعريرة جمدت الدم في العروق، فديريك ـ الشخصية التي يلعبها نورتون ـ كان هو تجسيد للعنصرية في أوقح صورها. في بلادنا العربية، نواجه العنصرية كل يوم، وكل ساعة، بين فئات من البشر تعجز عن التعايش سوياً وتفتقر لأبسط قواعد المواطنة وتقبل الآخر، اعتدنا أن نجمل عيوبنا ونغلفها بأوراق ملونة، لئلا تظهر على حقيقتها القبيحة. لسنا ديريك، لا نرسم رموزا دينية ساخرة مما يؤمن به الآخر، لكننا حقاً في قرارة أنفسنا نكره اختلافاتنا بنفس الكيفية التي نكره بها كراهية الآخر لنا. “الكره حمل ثقيل على القلب” يختم الأخ الأصغر، داني، مقاله المدرسي بهذه المقولة، ملخصاً فيها العنصرية بأبسط حال.
الكره حمل ثقيل على القلب.
وهي حقيقة، فالشيوخ الذين يقتاتون على العنصرية، وداعمو التمييز الديني أو العرقي في مختلف أنحاء المعمورة، هم أكثر الناس ثقلاً، ربما ليس بالأمراض والعلل، لكن بالمال والنفوذ، وربما بالأجساد التي ساهموا في تكدسها في المقابر من الطرفين. الكراهية تقتل، ومن أبشع نتائجها هي العنصرية المضادة، والتي تصيب المقموع بالقوة المزيفة لحظة انتصاره فتجعل منه جلاداً ربما أبشع من مضطهديه.
هل جربت ـ عزيزي المسلم ـ العنصرية من أبناء بلدك؟
ربما ستضحك في عدم اكتراث، ربما لن تتخيل أن يحدث هذا لك، على الأقل ليس في بلدك. يقولون إن أفضل مميزات يحصل عليها الإنسان المصري إذا كان ذكرًا مصريًا مسلمًا فاتح اللون. وأشدد على اللون لأننا بطبعنا يا عزيزي ـ وأتمنى ألا تكون قد تفاجأت من هذه الحقيقة ـ عنصريون ضد اللون للغاية.
هنا نعود ثانية للسؤال “ما هي العنصرية؟”
في مشهد بديع في فيلم American History X، يعود بنا المخرج في فلاش باك إلى ما أطلق عليه داني “البداية”، مشهد لأسرة أمريكية عادية؛ داني وأمه وأخته وديريك يأكلان بينما الأب على رأس المائدة. موت هذا الأب هو ما أشعل شرارة العنصرية القبيحة في عائلة ديريك وداني، أو أن هذا هو ما أوضحه لنا الفيلم صراحة في النصف الأول. لكن مع اقترابنا من نهاية مقال داني عن تاريخ أمريكا X أو “كيف بدأ العنف في حي فينيسيا بكاليفورنيا، مع إسقاط الأحداث على أخيه الأكبر، ديريك”، تتسع الصورة لنرى كيف نبتت بذرة العنصرية في قلبي داني وديريك، وكيف زرع والدهما الحبيب في ذهنيهما الشك والكراهية من السود. مشهد مثل هذا، يجعل المشاهد يعيد ترتيب أوراقه ومفاهيمه، ويغير رأيه في العنصرية كلياً. أحقاً هي وليدة أحداث ضخمة مثل أحداث تطهير عرقي أو هولوكوست أو مذابح إثنية أو انفجار كنيسة في بلدة أغلبيتها مسلمين؟ أم أنها وليدة موائد الغداء والعشاء؟ وليدة الاجتماعات العائلية حيث يختلط الجد بالهزل، وتكون للسلطة الأبوية والأمومية الكلمة النافذة والنهائية على كل النقاشات؛ على الأقل في طفولة وبدايات مراهقة الأبناء؟ متى تورق بذرة العنصرية، وما الذي يجعلها تنمو وتكبر، وهل من الممكن تجريف التربة التي زرعت فيها تلك البذرة الشيطانية؟ وكيف يتأتى هذا في مجتمع يحفزك على العنصرية بكل شكل من الأشكال؟
هل جرب أحدكم أن يلتبس على الآخرين تحديد هويته الدينية؟
حدث هذا لكثير من المصريين غير المعنونين بالخواتم الدينية من أسماء ورموز وأيقونات. في عالم الفتيات، أخذت الفواصل الدينية تزداد يوماً بعد يوم، في مدرستي استيقظت يوماً على نصف فتيات صفي يرتدين الحجاب. لم يكن للمفاجأة وقعٌ، لكن الكوميديا كانت في الفتيات اللاتي ارتدينه من الأساس. بدت الكثيرات منهن شغوفات بأن يندمجن مع صديقاتهن، بينما قررت بعضهن أن يفعلن هذا حتى يوفقهن الله في الثانوية العامة ويدخلن كليات الصيدلة والطب، جعلني وضعي كفتاة غير محجبة، متأثرة جداً بالثقافة الأجنبية، وصديقة للكثير من المسيحيات أبدو منصهرة معهن، وكنت سعيدة لهذا، وددت لو انصهرت كل طوائف المجتمع مع بعضها البعض، بدا التمييز الديني والنوعي بغيضاً بالنسبة لي، وكنت سعيدة بأن أهرب من قالب من القوالب المجتمعية على قدر ما أستطيع.
لكن هذا وضعني في أكثر من موقف، بعضها كوميدي وآخر مخيف حقيقة.
عندما يظنك البعض منهم، يتحررون من أقنعتهم، يخلع كل امرئ نعليه وطاقم أسنانه، وأحياناً يتعرى من ردائه المجتمعي المزيف. أصابتني عنصرية صديقة مسيحية في مقتل، لم أتخيل مدى كرهها للمسلمين إلا عندما واجهتني به لعدم معرفتها بديني، والغريب أنني عندما واجهتها بحقيقة ديني، صدمتني عندما أخبرتني بسبب كراهيتها للمسلمين، فالقهر الذي تعرضت له على يد شلة من الفتيات المسلمات كان من القسوة بحيث اضطرت بعده للعلاج عند طبيب نفسي.
هذه الفتاة ليست إلا ضحية قهر وقمع ديني بغيض، أدى بها إلى أن تولد طاقة قهرها لكراهية تعميها عن رؤية الفوارق بين البشر، بسبب المجتمع المقولب الذي يضع التفاح كله في سلة واحدة، لم تعد الفتاة ترى سوى المسيحيين والمسلمين، حتى أنها عندما أخبرتها بأنني مسلمة؛ سألتني في عدم تصديق، “هل تمزحين؟ أحقاً أنت مسلمة؟”.
في فيلم American History X يبدو الأب غيوراً من مدرس داني وديريك الأسود المثقف الحاصل على الدكتوراة، بينما هو يرتع في الجهل ويشغل وظيفة رجل مطافي، لا تكفل له سوى مصادقة أمثاله من المواطنين المطحونين الغاضبين. يحول الأب طاقة غضبه نحو ابنه ديريك، ليخبره بأن السود كلهم أغبياء وغير ومثقفين، ولا يهدأ حتى يؤمن ابنه على كلامه في آلية. تذكرت صديقة مسيحية، أخبرتني ذات مرة بأنها لا تعترف بعنصرية الدين، لأنها لا ترى متدينين حقاً إلا في الدير، وأولئك أبعد ما يكونون عن التعصب، بينما المتدينون المتعصبون في الطرقات وفي الأشغال هم مجموعة من الكائنات الحقودة التي تأكلها الغيرة من بعضها البعض، ولإضفاء بعض الشرعية وربما الشاعرية على حقدهم، يستخدمون الدين سلاحاً ضد من يبغضون. عندما رأيت هذا المشهد في الفيلم، تذكرت كلامها وابتسمت. هي نظرية تستحق الوقوف أمامها.
حسن ومرقص
يستمد فيلم “حسن ومرقص” سحره من اسم بطله الزعيم عادل إمام وتعاونه للمرة الأولى مع الفنان العالمي عمر الشريف. ورغم التحفظ على يوسف معاطي كسيناريست في أغلب الأوقات، إلا أنه نجح هنا في تقديم كوميديا راقية ولاذعة، لا ترقى بالطبع في جرأتها للأفلام الأجنبية أو حتى لأفلام مصرية متمردة مثل الإرهابي، والأبواب المغلقة، وبحب السيما، والمهاجر، وغيرها كثير من الأفلام التي كسرت تابوه الدين ممزوجاً بالجنس أو مفرغاً منه تماماً، لكنها ومع هذا ما زالت جريئة.
ربما استمد “حسن ومرقص” جرأته من كسره لتابو الشخصية المسيحية المثالية الساذجة المتمثلة في محمد إمام، أتذكر أن وقت عرض هذا الفيلم، كنت في السنة الدراسية الثالثة بكليتي، وخرج كل أصدقائي المسيحيين باحثين عن الصفحة الرسمية لمحمد عادل إمام على الفيسبوك، وقد كتبوا له يهنئونه على دوره في الفيلم. محمد إمام هنا مثل الشاب المسيحي غير النمطي، والذي استهلكه صناع الدراما عن غير قصد في صورة الشاب المثالي الطيب لدرجة السذاجة والبار بوالديه، الذي لا يخطئ ولا تخرج من فمه العيبة. في “حسن ومرقص” يبدو جرجس شاباً عادياً جداً مثل أي شاب جامعي، طريقته في التعبير عن مشاعره طبيعية، وليست كارتونية مفرطة في المثالية والطيبة، هو أيضاً خفيف الدم، سريع البديهة، ورومانسي دون ابتذال، اشترك في قصة حب مع فتاة مسلمة يظنها مسيحية مثله، فصنع معاطي منهما روميو وجولييت وقتها، ورغم أن الفيلم قد أثار حفيظة الكثير من المسلمين المعتدلين قبل المتشددين، والذين يقفون لجرأة عادل إمام ـ المسلم ـ في كسر تابوه الدين بالمرصاد، إلا أنه لاقى استحسان الكثير من المسيحيين، ولن أقول الجميع، نظراً لكونه صور أسرة مسيحية طبيعية، وصور المسيحيين كقوة طبيعية لها رد فعل وطاقة غضب، على الرغم من تأييد بعض المسيحيين أنفسهم لتصدير صورة خيالية، غير واقعية عن مثاليتهم وطبيعتهم المسالمة.
احتاج فيلم مثل “حسن ومرقص” ربما لكاتب أكثر جرأة من يوسف معاطي، ففكرة تبديل الدين، وخلع نعل الأغلبية أو الأقلية لترتدي نعلاً آخر، قد يكون ضيقاً أو فضفاضاً أكثر من اللازم ليس أمراً سهلاً. بل على العكس، إنه أمر مرعب، مخيف. كلما التبس على أحدهم الأمر؛ سواء من المسلمين أو المسيحيين، وظنوا أنني من المعسكر الآخر، كنت في أعماقي أشعر بالفضول لأعرف ما قد يظهره البعض من خبايا قد لا يسعفني الحظ أن أراها لو كنت أسير متباهية بهويتي الدينية، صانعة منها ساتراً أختبئ وراءه من حقيقتي المجردة من دين أو لون أو جنس.

السبت، 28 مارس 2015

A Girl Walks Home Alone At Night "فتاة تسير وحيدة ليلا" في عباءة مصاص الدماء!


لا يتسطيع أحد تجاهل فيلم المخرجة والكاتبة الإيرانية/الأمريكية  آنا ليلي أميربور "فتاة تسير وحيدة ليلاً" أو A Girl Walks Home Alone At Night لأسباب كثيرة، ربما أهمها في نظري هو عبثها بالأدوار الذكورية في مقابل الأدوار النسائية على الشاشة، وهي لعبة ولو تعلمون عسيرة، تنبع من كونها إن لم تلعب بحرفية، تصبح أشبه بطبخة فاضت مقاديرها عن الحاجة فبدلاً من أن تثير في النفس الانبهار، تشعل تعليقات السخرية والازدراء.

في فيلمها الروائي الطويل الأول، تعمد أميربور إلى العبث بكل المقدسات الناعمة التي يقدسها الغرب قبل الشرق. فالرجل (أو الذكر) القوي الذي ينقذ الفتاة معدومة الحيلة البريئة، هو هنا فتى بريء يتم استغلاله والتلاعب به بل وحمايته على يد عدد من الشخصيات النسائية والرجولية. والفتاة التي دائماً ما تصورها السينما على أنها كتاب مفتوح، هي تابوت مغلق على سره الأعظم، في مقارنة بالفيلم ضعيف المستوى "الشفق" Twilight والذي تكون فيه البطلة الرئيسية بيللا فتاة عادية تهتم بمعرفة سر الفتى الوسيم الغامض، إدوارد، والذي تكتشف في النهاية أنه مصاص دماء، هي في A Girl Walks Alone At Night طيف بلا اسم، بلا حوار إلا فيما ندر، وبلا هوية، وحتى ثلاث أرباع الفيلم يظل البطل لا يعرف لها حقيقة ولا يسبر أغوار غموضها المستعصي. أما الفتى، فقد أجادت أميربور عرض حياته بمنتهى الشفافية والعذوبة؛ مهنته، رغباته، عائلته وأصله، وضعه الاجتماعي، مخاوفه وتفاصيل حياته اليومية مع والده المدمن والقط الجميل الذي التقطه مصادفة.

"لا تتركيني وحيداً هنا."

على العكس من ترتيب المهام الذكورية والنسائية في عموم الأعمال الفنية، والأدوار المجتمعية التي فرضت عليهم وعليهن، بدا هنا آراش -الشاب الوسيم الذي اقتفت مصاصة الدماء أثره فضولاً لا جوعاً- محتاجاً لفتاتنا الوحيدة، يلتمس الصحبة في جوارها، وفي مشهد بديع للفتاة وقد أعطت ظهرها لآراش، يبدو تنافر عنقها السافر وعنقه المختفي وراء عباءة دراكولا الزائفة، أشبه بتورية لحقيقة كل منهما، فعنق الفتاة العاري ما هو إلا ستار لحقيقتها التي تظهر/تختفي وراء حجابها الأسود، وعباءة دراكولا ما هي إلا قماش من الزيف، أو غلاف لكتاب حياة آراش المفتوح أمام المشاهدين. 

ينبغي ذكر أيضاً رمزية الحجاب في الفيلم، فأميربور تستخدمه بذكاء تحسد عليه كغطاء وكشف في ذات الآن. هذا الحجاب الأسود الطويل ما هو إلا عباءة مصاص دماء، وهي إشارة إلى كون الحجاب رمزاً قمعياً في المجتمعات المغلقة، يستخدم لفرض إطار ما على جسد المرأة، محاولة منه لتصويرها كياناً مرعباً لا ينبغي الاقتراب منه. ولم تنس أميربور أن تحوله لأداة اختفاء، تتلفع به الفتاة فتختفي حقيقتها عن الأعين، وتصير عصية على الفهم والتواصل، فارضة حاجزاً أسود بينها وبين من يقابلها، وهو ما تريده المجتمعات الدينية من المرأة بالضبط: الاختفاء مع التواجد في آن واحد؛ كوني رمزاً مخيفاً ومثيراً، لكن لا تكوني هنا. كوني طيفاً لما ينبغي أن تكونيه.

في إشارات فيمينست صريحة، تلعب أميربور على فكرة الفريسة/الصياد الشهيرة بتغيير الأدوار. ففتاة وحيدة تسير ليلاً، هي فريسة سهلة للذئاب. ذات الرداء الأحمر، ودستة من أفلام ال slasher ترسخ في أذهاننا مدى الأخطار التي قد تواجهها فتاة وحيدة في أي مكان؛ موقف السيارات، الشوارع الخالية، المصعد، حتى شقتها. هناك دوماً ذئب ينتظر. في A Girl Walks Home Alone At Night يسخر العنوان من هذه الفكرة ويجعل من الفريسة صياداً بمعنى الكلمة، خاصة في انتقاء الضحايا، وأحيانا -بصورة دموية إلى حد ما- في طريقة افتراسهم، والتي تعزز فكرة المرأة ك "آخر" مخيف، وليس مجرد "آخر" 

أطلق المدير الإبداعي لشركة VICE، وهي الشركة المنتجة للفيلم، على آنا ليلي أميربور لقب "كوينتن تارانتينو القادم". ولم تنف أميربور مدى تعلقها وتأثرها بأفلام تارانتينو، ما بدا واضحاً، حتى في اختيار الموسيقى والتأثر بأفلام الويسترن الإيطالي "السباجيتي" وتلاعبها بالنوع genre فتجد فيلمها والذي تصفه بأنه أول فيلم "إيراني ويسترن رومانسي" ليس بفيلم الرعب التقليدي، ولا فيلم الويسترن سباجيتي "الغرب الأمريكي" المعتاد، ولا هو يحمل قصة رومانسية أصيلة تدور حولها بقية الأحداث. كما بدا واضحاً مدى تأثير السينما الأمريكية على أميربور، حتى عن طريق الشخصيات، ومحاولتهم لكسر حاجز الوحدة بالتأمرك؛ آراش بملابس وتصفيفة شعر جيمس دين، الأغاني التي تستمع إليها الفتاة وآراش، مما دفع البعض إلى اتهام أميربور بأنها لا تعبر عن "إيران الحقيقية" في محاولة لطمس ما تعبر عنه المخرجة من تصوير لامرأة إيرانية في مدينة غرائبية تركب سكوتر وتتغذى على دماء الأشقياء، وعابري السبيل.

أضعف ما في الفيلم نهايته، والتي رأى كثير من النقاد أنها جاءت مبتورة ومتسرعة. في رأيي الشخصي، أنها رغم كونها من أضعف عناصر الفيلم، إلا أنها أيضاً انتصرت للمرأة، ورغم رغبتي في الكتابة عنها، إلا أنني أود فقط أن ألمح إلى كونها تختلف عن أفلام مثل "نادي الإفطار" أو The Breakfast Club لجون هيوز، مخرج الثمانينات الشهير، حيث الفتاة الغامضة ال freak تزين وجهها وترتدي فستاناً وردياً ليلتفت إليها الفتى الذي تحبه بعد أن تخلع ردائها الأسود وتزيل كحل عينيها الداكن.

A Girl Walks Home Alone At Night فيلم ثوري في تناوله لأدوار المرأة والرجل، وتشابك العلاقة الجنسية-القيادية بينهما، كما أنه يعبث بالثوابت الدينية والاجتماعية بذكاء شديد قد يصل للهمس في بعض الأحيان. ورغم تأكيد المخرجة على أنها صنعته وليس في ذهنها أي مردود سياسي أو ديني، إلا أنها أكدت على كونها تعرف من هي، وما هو فيلمها، لكنها لا تعرف الآخرين، ولا كيف سيتلقونه.

نظرة أخرى على "فيلا 69": الجمال مع تعاقب الزمن


بعد استبعاد ما دار مؤخرا من جدل حول الممثل خالد أبو النجا وهو جدل بعيد عن تمثيله، يمكن القول إن خالد ليس من نجوم الصف الأول، ولا يمكن اعتباره ممثلا عبقرياً يستطيع تلوين نفسه طبقاً لمتطلبات الأدوار المختلفة والمركبة أحياناً التي يؤديها. إلا أن خالد هو أيضاً من أكثر الفنانين المجددين في الوسط الفني حالياً، وهو يحاول أن يكون طرفاً في صناعة السينما المغايرة حتى ولو من وراء الكواليس.

في جميع الأعمال التي قدمها خالد تقريباً، كانت طريقة أدائه واحدة، ونبرة صوته واحدة، وهذه ربما تعتبر من أكبر مشكلات أبو النجا، فالممثل ليس وجهاً وتعبيراً ولغة جسدية فقط، الممثل من المفترض أن يكون طاقة إبداعية متجسدة، قماشة جاهزة للتشكل والتغير طبقاً لما تقتضيه ظروف أي عمل يشترك فيه أو يتحمل عبء حمله على كتفيه. والصوت أداة هامة من أدوات الممثل، بل لا أبالغ إذا قلت إنها أهم أداة بعد لغة الجسد، وليس الشكل الخارجي في الشخصية والتي يرجع الفضل في النجاح في اتقانها لا للممثل فقط بل أيضاً للمخرج وللماكيير.

 دراما المكان والجسد
كانت هذه المقدمة ضرورية بعد مشاهدة دراما المكان عالية المستوى في فيلم "فيلا 69" الذي أبدعت أيتن أمين في إخراجه كحالة سينمائية ناعمة وهادئة، مريحة للعين، رغم ما تمثله من احساس بالاختناق داخل المكان أو ما يعرف بـ "كلوستروفوبيا".

دراما المكان ربما من أصعب ما يمكن تقديمه على الشاشة العربية، وذلك لأن توحد المشاهد مع المكان جزء أساسي من ضرورة نجاح العمل، وقد لا نبالغ إذا قلنا إن لامبالاة المشاهد بالمكان الذي تدور حوله الأحداث أو تنبثق منه، قد تؤدي إلى انهيار العمل بأكمله.

نجحت أيتن أمين، يداً بيد مع حسام شاهين مدير التصوير، في توصيل حالة بديعة من الاحساس بالانعزال والانعتاق في آن. فحسين، الشخصية الرئيسية في الفيلم، التي يؤديها أبو النجا، حبيس فيلته العتيقة باختياره. نزيل اختياري في سجن الجسد والحوائط. وكما هي قديمة متداعية، تغطي خيوط العنكبوت جدرانها وأركانها، يبدو جسده بالياً يتآكل، مثل حذاء قديم يبلى ويتقشر.

وعلى الرغم من تداعي جسد حسين وفيلته، إلا أن روحه سليطة اللسان العدائية الحنون المتجمدة هي هي، لم تتأثر بالكبر ولا بمرور الزمن. لوهلة ما، يبدو الزمن متوقفاً في فيلا حسين، حتى "تطب" عليه أخته نادرة، التي هي على العكس منه، مفعمة بالحياة روحاً وجسداً رغم كبرها سناً عنه. "نادرة" مازالت امرأة مفعمة بالحيوية والرغبة في الشباب، وباستخدام تفاصيل أنثوية بديعة مثل كريمات شد التجاعيد ومجفف الشعر "السشوار" والماكياج الهادئ، نجد أمامنا شخصية في مثل قوة حسين، وربما أقوى، لكنها قوة المرأة الناعمة الذكية، التي لا تضع نفسها في موقع الهجوم، بل تتسلل بنعومة ثم تلقي بهدفها في المرمى مفاجئة لطرف النزاع الآخر، متحملة ثورته بهدوء.



عن الأداء
على عكس أبو النجا، أبدعت لبلبة في أداء شخصية نادرة. لبلبة بالطبع لها تاريخ فني أطول وأعرق، وقد غيرت جلدها بين أكثر من عمل فني، رغم اهتمامها بالفيلم الكوميدي بوجه خاص، إلا أنها حاولت التمرد على نمط الفتاة الاستعراضية خفيفة الظل في أكثر من موضع، نذكر منا "ليلة ساخنة" و"ضد الحكومة" و"الآخر" و"إسكندرية.. نيويورك" وغيرها من الأفلام. برعت لبلبة في أداء شخصية "نادرة"، التي كان من الممكن أن تمر مرور الكرام لولا إضافة لبلبة لها من روحها وفهمها لتفاصيل الشخصية الدقيقة.

الممثلون الثانويون تنوعت أدوارهم ما بين الأداء العالي والعادي، الذي يمر مرور الكرام، البديع في اختيارات أيتن أمين، هو ملائمة كل الشخصيات للمكان، حتى تبدو الشخصيات وكأنها انصهرت داخل الفيلا وأصبحت جزءاً من أجزائها. فالمكان وحسين لا بد وأن يصبحا سوياً أهم ما في الكادر، حتى مع غياب حسين، لا بد وأن يكون موجوداً بروحه التي احتلت المكان فأصبح هو والمكان شيئا واحداً. نجحت أيتن ايضا في الإمساك بخيوط الشخصيات مثل محرك دمى ماهر، وبدا من الواضح في مشاهد نادرة مع حسين أو في المنزل، أن نادرة هي الوحيدة القادرة على تحدي سيطرة المكان /حسين على الموجودات، فمثلت قوة مساوية في القدر، وإن لم تحاول ربط نفسها كما فعل حسين.

شخصية حسين سليطة اللسان، هي شخصية ربما تبذل قصارى جهدها لتنفير الناس منها، شخصية ربما ليس بطبعها العدائية والبذاءة وتحدي اللياقة الاجتماعية، لكنها تفعل هذا لطرد البشر من دائرتها، فتبذل ما بوسعها لقطع أي قُطر يتم بناؤه بينها وبين الآخرين، لكن روح حسين الحقيقية التي احتلت المكان بقدر ما احتلها، هي روح نقية عذبة، تجذب البشر كما يجذبونها، تحنو على القطط، وتستقبل حفيد أختها وفرقته للتدريب في المنزل، في محبسها الاختياري، الذي ورغم امتلائه بالبشر فجأة إلا أنه يظل يغلف حسين بهالة من الانعزالية والذاتية.

أروى جودة، ممثلة جميلة وأداؤها التمثيلي هادئ، بعيد عن الافتعال والضجيج، إلا أنها هنا لم تؤثر في بنيان القصة ولم يكن لدورها أهمية تذكر، على عكس المخرجة هبة يسري التي أضافت لدور هناء أبعادا أخرى رغم قلة تجاربها التمثيلية، مما أعطى له أهمية تفوق مساحته بكثير.

في الختام، "فيلا 69" فيلم جيد بصرياً وسردياً، عيوبه أقل كثيرا من مميزاته، ويبقى السؤال؛ أيهما أكثر موتاً: جسد حسين أم جسد أولئك الذين من حوله ويحسبون على الأصحاء؟

الجمعة، 27 مارس 2015

هيتشكوك.. شكسبير السينما العالمية


الخوف هو البطل الرئيسي لأي فيلم في سينما ألفريد هيتشكوك، الذي صنع الرعب شهرته وإلى درجة أن صورته واقفاً إلى جانب الكثير من الشقراوات المذعورات والرجال المحنكين، تنافس أبطال الأفلام شهرة وأهمية. ويتجلى الخوف في أعمال هيتشكوك، لابساً آلاف الأقنعة، فيأخذ أكثر من صورة؛ التلصص في "النافذة الخلفية 1954 " Rear Window، المنزل في "ريبيكا 1940" Rebecca، درجات السلم في "سايكو 1960" Psycho، القطار في "غرباء في القطار 1951"Strangers on a Train والأم الهستيرية في "الطيور 1963"Birds.

كل هذه الأفلام وغيرها رغم اعتمادها على تيمات عظيمة مرعبة، إلا أن عبقرية هيتشكوك في توظيف كل عناصر الفيلم من تصوير، وإضاءة، وديكور، وسيناريو، وموسيقى تصويرية، جعلت من أدق تفصيلة في أفلامه، مدخلا للرعب. فالتلصص، والأشرار الجذابون، والشقراء الباردة، والطيور المسالمة، وعربات القطار، وأصحاب النزل، والسلطة الأمومية، والمرتفعات، والبراندي، كلها عناصر تكرارية غنية بالتفاصيل، وكلها تتشكل معاً لتكون الصورة الأشمل لمسرح الأحداث المشوقة أو المرعبة والتي يقف هيتشكوك أعلاها، يتحكم في الطقس والغريزة ومصائر أبطاله بغرور وفهم عميق لنفوس أبطاله، تاركاً للمشاهدين التعاطف مع من يريدون، فالكل متواطئ في الجريمة بالنسبة لهيتشكوك، وربما يكون هذا ما يجعل الرعب حقيقياً وأصيلاً عند النظر لأفلامه بعمق. 

ولم يكن هيتشكوك معنياً بالجوائز، ولا بالتجريب، فقد ركز جل اهتمامه على أن لا يتململ المشاهد في مقعده بالسينما، وألا تغادر عيناه الشاشة أثناء مشاهدة الفيلم. وهنا يغوص هيتشكوك في أعماق شخصياته، ويعبث، يخدش قشرة الحضارة الأولية ليخرج لنا من بساطتها بالعناصر الأشد رعبا؛ فتاة تستمتع أسفل الدش، رجل يصعد السلم، رجل يرتدي ملابس امرأة (وهنا لعب على تيمة الـ crossdressing وما كانت تسببه من تابوه في النفس البشرية قديماً)، الحسية والسقوط من أعلى. 
ربط هيتشكوك ما بين الغريزة الجنسية وشهوة الطعام، وبين الأكل والموت، في أكثر من مشهد طوال مشواره السينمائي، يربط ما بين غريزة وأخرى، فيشتت المشاهد ما بين مخاوفه الكامنة من كل ما هو مألوف.
"ترى هل تكون هذه آخر وجبة طعام أتناولها في حياتي؟"
"ترى هل تدس لي زوجتي السم في الطعام؟"
الندم، الشك، القتل بدم بارد، الجوع الجسدي والنفسي، كلها معاني تتحطم على مائدة طعام هيتشكوك العامرة بالمخاوف. فهو يرى أن مخاوف الطفولة تظل حية داخلنا وتتبلور على هيئة صور أخرى بسبب النضج أو النسيان. الذئب الذي أخافنا وهو يطارد ذات الرداء الأحمر، مازال الذئب الذي يخيفنا الآن.
قد يتخذ هذا الذئب أكثر من وجه: طلاق، فقدان وظيفة، خيانة زوجية أو ضائقة مالية، وقد يأخذ شكلاً عاماً مثل الخوف من الكوارث الطبيعية أو الإرهاب.

"عقدة الخوف مغروزة في أعماقنا،" يؤكد ملك الإثارة. وهو على حق.

الغريزة الجنسية بكل ما فيها من تضادات ومحظورات كانت من الموضوعات الشاغلة لهيتشكوك في أفلامه، خاصة وأن الهيئة الرقابية الأخلاقية الأمريكية وقتها "Motion Picture Production Code" كانت تضع العديد من المشاهد في خانة المحظورات، حيث يدعي أفرادها الحفاظ على القيم الأمريكية الأصيلة من خلال حذف مشاهد العري والعنف والجنس خاصة إذا كان ما بين شخصيات غير متزوجة. لكن هيتشكوك تحايل على الهيئات الرقابية والتي ادعى بعض أفرادها رؤية جزء من ثدي البطلة في سايكو أثناء تصوير مشهد الدش الشهير، كما ادعى آخرون أنهم رأوا مؤخرة دوبليرة البطلة في نفس المشهد. أبدى بعض الأعضاء اعتراضهم على مشهد الفيلم الافتتاحي، حيث البطلة ماريون وعشيقها يتداعبان في الفراش، مما أدى بهيتشكوك إلى أن يتفاوض معهم، فهو مستعد لإعادة تصوير المشهد الأول تحت إشرافهم إذا تركوا مشهد الدش دون المساس به وبلا حذف لأي جزء من أجزائه. 

هذا الموقف يثبت مدى إثارة هيتشكوك للجدل في وقت كانت الرقابة فيه مزدهرة، تضع أقفالاً على عقول الناس عن طريق فلترة أفلامهم. تحدى هيتشكوك الرقابة وتحدى خوفها من الجنس أو الإيحاءات في سايكو، وفي أكثر من فيلم. لكن شكسبير السينما كما أطلق عليه، لا يغفل السخرية من الرقابة والتابوهات الجنسية في لفتات بسيطة، ورموز إنما تسقط على أبطالها شهواتهم وغرائزهم التي لا يتبين هل هم الذين يكبتونها، أم أن الرقابة هي المسئولة عن ذلك؟ فيتحول مشهد عناق مستر ومسز ثورنهيل الحار في ختام فيلم "الشمال عن طريق الشمال الشرقي 1959" North by Northwest إلى قطار يدخل النفق بسرعة، أو افتتانه بالعنف والجنس في سايكو و الفيلم الصامت "النزيل1927" The Lodger، حتى قدم أول مشهد عري في فيلمه "جنون1972 " Frenzy، وإن كان دوار Vertigo في رأي النقاد الكبار أمثال روجر إيبرت ودونالد سبوتو، هو الفيلم الأكثر تعبيراً عن هواجس هيتشكوك التي تمزج الجنس بالعنف، وهو أكثر أفلامه ذاتية، فهو عن طريق شخصية سكوتي المهووس بمادلين، إنما هو هيتشكوك المهووس بالمرأة الأكمل والتي يعيد تصنيعها في كل فيلم تلو الآخر عن طريق قتل شقراء جميلة وراء الأخرى.

الغريب في رعب هيتشكوك، أنه يبدو كما لو أنه يضحك ساخراً من سذاجتنا واندفاعنا وراء مشاعرنا وشهواتنا. بمخلب يخدش هيتشكوك القشرة السميكة التي تغلف وعينا الجماعي، ويخرج الخوف بدائياً كما يجب له أن يكون، يحرك كاميرته للوراء مع مزجها بالزووم إن فيشعر المشاهد بالدوار، يقرب الكلوز إن من وجه الشقراء المرتعبة أسفل الدش في أقسى لحظات رعبها، ويكسر الحاجز الرابع في مواجهة أحد أبطال أفلامه المشاهدين متسائلاً، "ماذا تريدون مني؟" وهو في الحق يواجه شخصية أخرى بالفيلم، لكن المشاهد قد تحول من خلال الكاميرا إلى متلصص، إلى متواطئ ومتآمر مع شخصية ضد أخرى، يرى بعينيها وربما يتفاعل بتفاعلها فتختل رؤيته لنفسه، وتتفكك صمامات الأمان التي يحيط بها نفسه كلما شاهد فيلماً، لئلا يندمج بصورة أكثر من اللازم.

الخوف هو رفيق هيتشكوك منذ طفولته الكاثوليكية الصارمة المليئة بالأوامر والموانع، وهو يصحبنا طواعية في رحلة داخل عقله الباطن، فيصبح القطار الذي يدخل النفق مسرعاً في ختام "الشمال عن طريق الشمال الشرقي" ماهو إلا قطار الملاهي الذي نركبه لندخل عقل هيتشكوك الباطن، مجرداً من المعنى الفرويدي العابث الذي قصده هيتشكوك في سخرية واضحة من الرقابة، والرقباء، وميكانيزمات الدفاع التي يبنيها كل منا للتغلب على الخوف.

المصادر:
مجلة البينة الثقافية ـ الجارديان البريطانية ـ كتاب سايكو/جنسي: الرغبة الذكورية في أفلام هيتشكوك، دي بالما، سكورسيزي، وفرايدكين لدافيد جريفين ـ موقع الناقد روجر إيبرت.

الأربعاء، 25 مارس 2015

فرانسوا تروفو.. أيقونة السينما الفرنسية الحديثة كاتبا ومخرجا وناقدا

ربما لو لم يكن فرانسوا تروفو قد مني بأبوين قاسيين، لما وجد في السينما ملاذا لذاته المضطربة وروحه القلقة. وربما لو لم يصادق روبيرت لاشينيه، الناقد الفرنسي المعروف، لما وجد الإلهام لشخصية صديق البطل في فيلم 400 ضربة Les Quatre Cents Coups ، حتى وإن أكد لاشينيه على أن صداقته لبتروفو كانت معكوسة في الحقيقة. فعلى عكس من شخصية أنطوان دوانيل القيادية، في الفيلم، كان تروفو – وطبقا لكلام لاشينيه- هو التابع لصديقه لاشينيه، والذي يظهر في الفيلم بشخصية الصديق تابع البطل، رينيه بيجي.
الحكاية بدايتها مع الحب الذي حرمته جانين دي موفيراند، والدة تروفو منه، لشغفها بالقراءة والسينما والموسيقى الكلاسيكية. كانت علاقتهما كلما تتدهور، يلقي تروفو بنفسه في أحضان السينما أكثر فأكثر. أول فيلم رآه في السينما كان الفردوس المفقود للمخرج الفرنسي آبيل جانس، والذي مثل البوابة التي عبر منها تروفو إلى الهوس بالسينما، حتى أنه كان يتسلل إلى دور العرض لأنه لم يكن يمتلك المال الكافي لدفع تذكرة. في مراهقته كان تروفو قد أصبح مثقفا سينمائياً بدرجة كبيرة، وقد كون كراسات ومجلدات لمخرجيه المفضلين وكل ما كتب نقدياً عن أعمالهم, كما اعتبره أصدقاؤه موسوعة سينمائية شاملة، لتنقله مابين الأربعمائة دور عرض المتناثرة في أرجاء باريس.
كانت باريس ما بعد الحرب العالمية الثانية في صحوة فنية مذهلة، وقد قرر تروفو الانضمام للحركة السينمائية الفرنسية، لعله يصبح جزءا من محركي الدمى في السينما الفرنسية، وكان قد وضع لنفسه برنامجاً سينمائياً صارماً، قوامه مشاهدة ثلاثة أفلام يومياً وقراءة ثلاثة كتب في الأسبوع. أنشأ تروفو نادي السينما الخاص به والذي أسماه نادي “مهاويس السينما Cercle Cinemane ” عام 1948 وعن طريقه قابل الناقد السينمائي الشهير أندريه بازان والذي سيكون له بالغ الأثر في حياته فيما بعد، حتى أن تروفو سيعتبره أباه الروحي وسيهدي فيلم 400 ضربة لروحه، بعد وفاته باللوكيميا أثناء تصوير الفيلم.
خلال متابعة أفلام تروفو، يبدو تأثره بعدة عوامل، منها طفولته التعيسة الخالية من الحب، والمعاملة السيئة التي تلقاها في إصلاحية الأحداث التي زج فيها في مراهقته والتي استلهم منها بعض أحداث فيلمه 400 ضربة Les Quatre Cents Coups ، مسلطاً الضوء على معاناة المراهقين الفرنسيين في الإصلاحيات ومراكز تأهيل الشباب، من إيذاء نفسي وبدني من الحراس والأطباء النفسيين هناك. لولا أندريه بازان، والذي انتشل تروفو من محبسه، لقبع المراهق المضطرب في حبسه الانفرادي، محتملاً العذاب والإهانة فترة أطول، ربما أثرت على حالته النفسية والعقلية بصورة أكثر فداحة. تبنى بازان تروفو فنياً ومعنوياً، فعينه سكرتيره الخاص وسهل له حضور المجتمع السينمائيObjectif 49 والذي أسسه رواد النقد السينمائي الحديث ألكسندر أستروك، بيير كاست، كلود مورييك وبازان نفسه.
في هذا المجتمع، اطلع تروفو على ثقافة سينمائية دسمة، كما شاهد عدة أفلام لأشهر مخرجي السينما العالمية مثل روبرتو روسيلليني وأورسون ويلز وبرستون سترجز وجان جريميلون. بعد انفتاحه على الحراك الثقافي والفني في فرنسا، وتنقله من مجتمع سينمائي لآخر، واستقلاله مادياً، أصبح تروفو جاهزاً للانغماس في عالم السينما بصورة أكبر من ذي قبل، وإن تسبب ضمه للجيش الفرنسي في تعطل مسار حياته الفنية، خاصة عندما هرب من التجنيد وتم القبض عليه وإيداعه السجن الحربي. حاول تروفو الانتحار للمرة الثانية، وتم إرساله لمصحة نفسية أخرى تابعة للسجن، حيث عومل بقسوة أشد، ولم يكن هناك خلاص إلا عن طريق بازان، والذي استغل صداقاته بذوي النفوذ لإنقاذ صاحبه وضمان وظيفة له في مجلة “كراسة السينما” Cahiers du cinemaوالذي أسسها بازان بالاشتراك مع المخرج والناقد جاك دونيول فالكروز.

لقب تروفو ب “حفار قبور السينما الفرنسية” لهجومه الضاري على مخرجي ومؤلفي سينما هذا الوقت. أول مقالاته “الميل الخاص في السينما الفرنسية” سبب جدلاً كبيراً في الأوساط السينمائية، ومنها خرج تروفو بنظرية المؤلف auteur theory والتي تشدد على أهمية أن يكون المخرج هو مؤلف العمل، وصاحب الرؤيا، مما يشكل أسلوبه الخاص ويميز أفلامه عن أفلام غيره، فتصبح الأفلام مميزة بالمخرج وليس بغيره. أصبح تروفو ناقداً ذا تأثير في الحياة الفرنسية، يكتب بمعدل مقال نقدي يومياً، ويقضي ليله كله في الكتابة، وشرب القهوة والسجائر، تهافتت المجلات السينمائية عليه وطلب منه الكتابة في أكثر من مكان. لكن حلم محرك الدمى، ال auteur الحقيقي، ظل يداعب تروفو، حتى أخرج أول أفلامه، فيلم قصير مدته ثمان دقائق بعنوان زيارة Une visite عام 1954 في شقه زميله الناقد جاك دونيول فالكروز. فيلمه الثاني لم يكن ليخرج إلى النور لولا مقابلته مادلين مورجينستيرن، ابنة واحد من أهم مديري الشركات التوزيع السينمائية في فرنسا، في مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي عام 1956.
 بعد علاقة عاطفية أدت للزواج فيما بعد، أقنعت مادلين والدها بتمويل فيلم تروفو القصير الثاني، الملاعين Les Mistons عام 1957. رغم قصر مدته -20 دقيقة- إلا أن الملاعين، يحوي كل التيمات التي ستظل تؤرق تروفو طيلة مشواره الفني: المراهقين، الموت، الكتابة، والحب. بدا تفوق تروفو الواضح كسينمائي في هذا الفيلم وبراعته في استخدام كل أدواته السينمائية من موسيقى ومكان وإضاءة في خدمة البناء التدرجي للدراما. كما أن تروفو من المخرجين البارعين في استخدام الكاميرا، كما قال عنه كلود ليلوش، المخرج والكاتب الفرنسي العظيم صاحب رائعة رجل وامرأة 1966 Un homme et une femme “تروفو يتعامل مع الكاميرا وكأنها ممثل رئيسي في الفيلم”.
فيلم تروفو الروائي الأول 400 ضربة Les Quatre Cents Coups هو بحق أعظم وأنجح ما قدم للسينما العالمية، ويعد 400 ضربة أيقونة الموجة الفرنسية السينمائية الجديدة، وأحد أهم دعائمها. في الفيلم الذي كتب تروفو السيناريو الخاص به مع الكاتب المخضرم مارسيل موسي، يأخذ تروفو حياته الشخصية وعلاقته بأصدقائة كمادة خصبة ليبني عليها فيلمه. القصة تدور حول أنطوان دونيل، الذي يبلغ من العمر 13 عاما، ومشاغباته في المدرسة، وحياته المتأرجحة ما بين أسرة لا مبالية، وشلة من الأصدقاء الذين يماثلونه الهوى، وهروبه المتكرر من عالم البالغين الذين لا يفهمونه إلى عالم الجريمة، حتى ينتهي به الأمر إلى إيداعه إصلاحية للأحداث، حيث يعاني الأمرين من سوء المعاملة وقسوة الكبار.
الصدق في التناول ممزوجاً باحترافية التنفيذ جعلا من 400 ضربة أيقونة سينمائية. حصد الفيلم العديد من الجوائز، منها جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان عام 1959، وجائزة النقاد من جمعية نقاد نيويورك وجائزة بوديل التي تمنحها جمعية النقاد الدنماركيين، كما رشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 1960. كما ضم معهد الفيلم البريطاني 400 ضربة لقائمة “50 فيلما يجب أن تراهم قبل سن 14″، وأعطى الناقد الأمريكي روجر إيبرت الفيلم 5 نجوم من 5 واصفاً الفيلم بأنه من أعمق ما قدم عن حياة المراهقين الصغار.
بعد نجاح 400 ضربة الساحق، أسرع تروفو في تنفيذ فيلمه الثاني “اطلق النار على عازف البيانو Tirez sur le pianist ” عام 1961 والذي يعد أكثر أفلامه تجريبية وانتماء لروح الموجة الجديدة. قام ببطولة الفيلم الممثل الفرنسي الشهير شارل أزنافور، في دور عازف البيانو الخجول ذي الماضي الملتبس، وقامت بدور حبيبته لينا، الفنانة ماري دوبوا. لم يحقق الفيلم أي نجاح تجاري يذكر، بينما نجح نقدياً وأصبح فيلماً يتداوله دارسي السينما مثل نصوص مقدسة، فقال عنه المخرج الكبير كلود ميلر أثناء دراسته للسينما في معهد الدراسات السينمائية في فرنسا، “لقد كنا أنا وزملائي نحفظ الحوار كلمة بكلمة، حتى أصبح بمثابة لغتنا الخاصة.”
تمسك تروفو بالمدارس الإخراجية القديمة وابتعد عن التجريب في بقية أعماله ، ومنها جولي وجيمJules et Jim عام 1962 ، وفيلمه الوحيد الناطق بالإنجليزية Fahrenheit 451 المأخوذ عن رواية راي برادبوري العبقرية عام 1966 والعروس ترتدي السواد La Mariée était en noir عام 1968.
في هذه الفترة نما إعجاب تروفو بالمخرج الإنجليزي المخضرم ألفريد هيتشكوك، وعندما سافر إلى نيويورك اقترح تروفو عليه إجراء سلسلة من المحاورات تشمل تاريخه الفني كله، مع التركيز على أهم أعماله وتكنيكه الإخراجي. رحب هيتشكوك بالموضوع وصدر كتاب يضم هذه المحاورات، محققاً نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا.
عاد تروفو لشخصيته المحبوبة، أو “أنا الآخر alter ego” الخاص به أنطوان دونيل في سلسلة أفلام وهي أنطوان وكوليت ((1962، قبلات مسروقة (1968)، بيت الزوجية(1970) ، والحب السريع .(1979)
يعتبر روجر إيبرت قبلات مسروقة Baisers voles من أفضل أفلام تروفو، كما أن الناقد الأمريكي فينسنت كانبي وصفه ب “حالة سينمائية عذبة”.


من محطاته السينمائية الهامة أيضاً فيلم “قصة أديل هـ. L’Histoire d’Adele H” عام 1975 والذي رغم فشله في فرنسا جماهيرياً ونقدياً إلا أنه شهد ميلاد النجمة الفرنسية الجميلة إيزابيل أدجاني والتي فتنت تروفو حتى أنه كتب لصديق “إن تصويرها أشبه بالعذاب اليومي”، وقد رشحت أدجاني لأوسكار أحسن ممثلة عن هذا الفيلم.
لم تخل حياة تروفو من المعارك سواء الفنية أو العاطفية أو الكتابية. ربما هو أصدق مثال على أن وراء العباقرة فوضى عارمة تدمرهم فلا تترك سوى أعمالهم سليمة بينما تبعثر حيواتهم ذات اليمنة وذات اليسرى، فما بين محاولتي انتحار، ومعارك مع منتجين وفنانين وصلت لساحة القضاء، وعداوات مع الكثير من النقاد، وعلاقات مع بطلات أفلامه، لم يتأثر فن تروفو بنمط حياته التدميرية، وإن ساءت صحته، فاكتشف عام 1983 ورماً في المخ، وتدهورت صحته تدريجياً حتى توفى في 21 أكتوبر1984.
رحل تروفو بجسده، وإن ترك مادة خصبة لعشاق السينما ودارسيها، وأفنى حياته في السينما التي وصفها ذات يوم بأنها “أهم من الحياة”، فأعطاها كل ما يملك من موهبة، ومنحته الخلود.

Obvious Child فيلم بسيط عن امرأة حقيقية

تشكو معظم الناقدات الفيمينست من القراءة السينمائية للمرأة بوجه عام، وتخص كل ناقدة المرأة التي تنتمي لمجتمعها بشكل خاص، وفي حالة الزخم السينمائي التي يقابلها كل منا من عام لآخر، يبحث كل ناقد عن ضالته، وشغله الشاغل.

عند مشاهدة فيلم Obvious Child للمخرجة والكاتبة جيليان روبيسبيير Gillian Robespierre، تتملك الواحدة منا الدهشة من مدى "حقيقية" هاته النساء التي يستعرضهن الفيلم. فدونا ستيرن، امرأة في العشرينات، مؤدية للستاند آب كوميدي، وفي نفس الوقت، هي ابنة وصديقة وحبيبة وامرأة مستقلة بذاتها دون ابتذال لأي من هذه المعاني. 

بعد ليلة عابرة قضتها ستيرن مع غريب لطيف -كما وصفته في واحدة من اسكتشاتها الكوميدية- تكتشف أنها حامل بالصدفة، وتلجأ لعملية إجهاض دون ميلودراما رخيصة ولا حتى محاولة تغيير رأيها في النهاية نظراً لعاطفتها تجاه الطفل الذي لم تنجبه، يمر الأمر مثل عملية جراحية عابرة، لا يلقى بالاً لخصوصية عملية الإجهاض ولا يتم التعامل مع الأمر بطريقة تبرر عقدة الذنب التي قد تتكون لدى المرأة تجاه أمر كهذا. ومع كون هذا التناول لموضوع شائك عالمياً كالإجهاض يعد ثورة حقيقية في عالم السينما، إلا أن الثورة الحقيقية في رأيي كان رسم شخصية دونا ستيرن.

شخصية دونا ستيرن، تلك الفتاة التي تقدم اسكتشات ستاند آب كوميدي مساء ثم تعمل في محل للكتب المستعملة صباحاً هي شخصية عادية تماماً، ربما باستثناء روح دعابتها الذكية ومرحها الذي يشع من كل حركاتها ومن حواراتها مع الآخرين. في سخرية ستيرن من نفسها ومن الدين ومن حبيبها ومن أشياء نسائية شديدة الخصوصية كحمالات الصدر والملابس الداخلية وتطرقها لمواضيع شديدة الانسانية بات محرماً على المرأة أن تتحدث فيها كالتبرز والجنس والاستمناء، كسرت ستيرن -ومن وراءها ببراعة جيليان روبيسبيير- قالب المرأة المصنوعة الذي يفرضه علينا صناع الفن في كل مكان.

أثناء مشاهدتي لحلقة من حلقات مسلسل "الجنس في المدينة" Sex and the City، يحدث موقف محرجاً للبطلة الرئيسية كاري -وتقوم بدورها سارة جيسيكا باركر Sarah Jessica Parker- فتطلق ريحاً أثناء وجودها في فراش حبيبها، وعند مناقشتها للأمر مع صديقتها المنفتحة جنسياً، الشبقة سامنثا -كيم كاترال Kim Cattrall- تخبرها الأخيرة بأن "أنت امرأة، والرجال لا يريدون للمرأة أن تكون انساناً، لا يجب أن نطلق ريحاً أمامهم، أو نستخدم فوطاً صحية أو نترك الشعر على أجسادنا في الأماكن الغير محببة لذلك أو نستخدم دشاً مهبلياً، في مرة من المرات، تركني صديقي لأنني لم أزيل الشعر من منطقة البكيني في الميعاد المحدد لذلك."

لو كان Obvious Child فيلماً أمريكياً تجارياً، كوميديا تجارية مبتذلة أو رومانسية كوميدية من التي تؤدي فيها نجمة خارقة الجمال دور فتاة ممتلئة ولديها مخاوف داخلية من أن يتركها الرجل في الآخر ليحظى بفتاة تؤديها ممثلة أقل جمالاً، لفقد Obvious Child عمقه وسحره النابعين من طبيعيته وحقيقيته.

تناول Obvious Child لموضوع شائك عالمياً وهو الإجهاض، هو أيضاً تناول متمرد لموضوع المرأة في العموم، ذلك الكيان الذي يضعه الفنانون قبل العامة في مكانة عالية، ويتوقع منه أن يظل فيها. فإذا تهاوى ذلك الكيان من علٍ، انتقل الجميع إلى كيان آخر، أكثر صبا وجمالاً ولا معقولية.



دونا ستيرن، بدعاباتها الفجة وسرعة بديهتها وملامحها العادية، وخفة ظلها، وتعاملها الطبيعي الانساني مع فكرة "الإجهاض"، هو في حد ذاته انتصار لفكرة المرأة المجردة من كل التوقعات المجتمعية والانسانية التي يفرضها عليها وضعها البيولوجي المختلف. فبكسر الفكرة الرومانسية الساذجة من حب المرأة للنطفة التي تكونت في رحمها قبل حتى أن تشعر بوجودها المادي، ناهيك عن كون جسد المرأة ملكاً لها تفعل به ما شاءت أم ملكاً للعامة ورجال الدين الذين يقررون عليها ما تفعل وكيف تتعامل معه، وفي النهاية يحاسبونها على نتاج هذا الجسد من أبناء أو حتى من محاولات للتجميل أو عدم الاستسلام لأفكار تنميط الجمال.

أيضاً كسر Obvious Child فكرة الإجهاض لسبب ما، مشاكل صحية أو نفسية أو كون الأب وغداً، كل ما أراده Obvious Child هو أن يعطي المرأة الحرية الكاملة في التعامل مع جسدها، ومع فكرة الإنجاب، والحمل وغيرها، من تلك الأمور التي يفرض المجتمع عليها وصاية ما بكيفية التعامل معها ويضع لها "طريق مستقيم" يعد كاتالوجاً للتعامل مع مثل هذه الأشياء.

يعد أيضاً في صالح الفيلم -وينبغي الإشارة إلى أنه تم تصويره في 18 يوم فقط-  تناوله الصحي لعلاقات النساء ببعضهن البعض، فستيرن وجدت الدعم في أقوى صوره من أمها، ومن صديقتها المقربة نيللي، مما عزز أهمية العلاقات النسائية وأخرجها من قالب التنافسية -غالباً- فوق قلب رجل واحد.



هنا ينبغي ذكر أهمية السيناريو والحوار في هذا الفيلم، والذي قامت روبيسبيير بكتابته بنفسه -والفيلم أصلاً مأخوذ من فيلم قصير لها بنفس العنوان، شاركتها في كتابته آنا بين Anna Bean وكارين ماين Karen Maine- وأمسكت بزمامه جيداً، فبدت الشخصيات حقيقية، يمكن لأي امرأة تشعر "باختلافها" عن الفكر السائد والتوقعات المرئية التي يتنظرها المجتمع منها أن تتعاطف وتتفاعل معها. ناهيك عن الدعابات الذكية والتي أتت في محلها، و"الصوت" المختلف لكل شخصية من الشخصيات، وبوجه خاص النساء، فلا الأم تشبه الابنة ولا الصديقة، حتى الشخصيات الرجالية لا تتشابه فيما بينها، وقد تم كسر قوالبها عن طريق إظهار الشخصية المثالية للرجل اللطيف بطريقة أبعد ما تكون عن الابتذال سواء في رسم الشخصية الخارجي أو الانفعالات الداخلية.

ينبغي الإشادة أولاً بأداء جيني سلات Jenny Slate الحقيقي والرائع لدور دونا ستيرن، والذي تفوقت به على الكثير من نجمات الصف الأول المزعومات. 

في النهاية Obvious Child فيلم مهم وممتع في آن واحد، مما يجعله تحفة فنية لهذين السببين بالذات، ورغم خصوصيته في مناقشة قضية تبدو نسائية، إلا أنه بتناوله السلس وحواره الذكي جعل منها قضية انسانية في المقام الأول. 

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More