تعديل

الأربعاء، 25 مارس 2015

Obvious Child فيلم بسيط عن امرأة حقيقية

تشكو معظم الناقدات الفيمينست من القراءة السينمائية للمرأة بوجه عام، وتخص كل ناقدة المرأة التي تنتمي لمجتمعها بشكل خاص، وفي حالة الزخم السينمائي التي يقابلها كل منا من عام لآخر، يبحث كل ناقد عن ضالته، وشغله الشاغل.

عند مشاهدة فيلم Obvious Child للمخرجة والكاتبة جيليان روبيسبيير Gillian Robespierre، تتملك الواحدة منا الدهشة من مدى "حقيقية" هاته النساء التي يستعرضهن الفيلم. فدونا ستيرن، امرأة في العشرينات، مؤدية للستاند آب كوميدي، وفي نفس الوقت، هي ابنة وصديقة وحبيبة وامرأة مستقلة بذاتها دون ابتذال لأي من هذه المعاني. 

بعد ليلة عابرة قضتها ستيرن مع غريب لطيف -كما وصفته في واحدة من اسكتشاتها الكوميدية- تكتشف أنها حامل بالصدفة، وتلجأ لعملية إجهاض دون ميلودراما رخيصة ولا حتى محاولة تغيير رأيها في النهاية نظراً لعاطفتها تجاه الطفل الذي لم تنجبه، يمر الأمر مثل عملية جراحية عابرة، لا يلقى بالاً لخصوصية عملية الإجهاض ولا يتم التعامل مع الأمر بطريقة تبرر عقدة الذنب التي قد تتكون لدى المرأة تجاه أمر كهذا. ومع كون هذا التناول لموضوع شائك عالمياً كالإجهاض يعد ثورة حقيقية في عالم السينما، إلا أن الثورة الحقيقية في رأيي كان رسم شخصية دونا ستيرن.

شخصية دونا ستيرن، تلك الفتاة التي تقدم اسكتشات ستاند آب كوميدي مساء ثم تعمل في محل للكتب المستعملة صباحاً هي شخصية عادية تماماً، ربما باستثناء روح دعابتها الذكية ومرحها الذي يشع من كل حركاتها ومن حواراتها مع الآخرين. في سخرية ستيرن من نفسها ومن الدين ومن حبيبها ومن أشياء نسائية شديدة الخصوصية كحمالات الصدر والملابس الداخلية وتطرقها لمواضيع شديدة الانسانية بات محرماً على المرأة أن تتحدث فيها كالتبرز والجنس والاستمناء، كسرت ستيرن -ومن وراءها ببراعة جيليان روبيسبيير- قالب المرأة المصنوعة الذي يفرضه علينا صناع الفن في كل مكان.

أثناء مشاهدتي لحلقة من حلقات مسلسل "الجنس في المدينة" Sex and the City، يحدث موقف محرجاً للبطلة الرئيسية كاري -وتقوم بدورها سارة جيسيكا باركر Sarah Jessica Parker- فتطلق ريحاً أثناء وجودها في فراش حبيبها، وعند مناقشتها للأمر مع صديقتها المنفتحة جنسياً، الشبقة سامنثا -كيم كاترال Kim Cattrall- تخبرها الأخيرة بأن "أنت امرأة، والرجال لا يريدون للمرأة أن تكون انساناً، لا يجب أن نطلق ريحاً أمامهم، أو نستخدم فوطاً صحية أو نترك الشعر على أجسادنا في الأماكن الغير محببة لذلك أو نستخدم دشاً مهبلياً، في مرة من المرات، تركني صديقي لأنني لم أزيل الشعر من منطقة البكيني في الميعاد المحدد لذلك."

لو كان Obvious Child فيلماً أمريكياً تجارياً، كوميديا تجارية مبتذلة أو رومانسية كوميدية من التي تؤدي فيها نجمة خارقة الجمال دور فتاة ممتلئة ولديها مخاوف داخلية من أن يتركها الرجل في الآخر ليحظى بفتاة تؤديها ممثلة أقل جمالاً، لفقد Obvious Child عمقه وسحره النابعين من طبيعيته وحقيقيته.

تناول Obvious Child لموضوع شائك عالمياً وهو الإجهاض، هو أيضاً تناول متمرد لموضوع المرأة في العموم، ذلك الكيان الذي يضعه الفنانون قبل العامة في مكانة عالية، ويتوقع منه أن يظل فيها. فإذا تهاوى ذلك الكيان من علٍ، انتقل الجميع إلى كيان آخر، أكثر صبا وجمالاً ولا معقولية.



دونا ستيرن، بدعاباتها الفجة وسرعة بديهتها وملامحها العادية، وخفة ظلها، وتعاملها الطبيعي الانساني مع فكرة "الإجهاض"، هو في حد ذاته انتصار لفكرة المرأة المجردة من كل التوقعات المجتمعية والانسانية التي يفرضها عليها وضعها البيولوجي المختلف. فبكسر الفكرة الرومانسية الساذجة من حب المرأة للنطفة التي تكونت في رحمها قبل حتى أن تشعر بوجودها المادي، ناهيك عن كون جسد المرأة ملكاً لها تفعل به ما شاءت أم ملكاً للعامة ورجال الدين الذين يقررون عليها ما تفعل وكيف تتعامل معه، وفي النهاية يحاسبونها على نتاج هذا الجسد من أبناء أو حتى من محاولات للتجميل أو عدم الاستسلام لأفكار تنميط الجمال.

أيضاً كسر Obvious Child فكرة الإجهاض لسبب ما، مشاكل صحية أو نفسية أو كون الأب وغداً، كل ما أراده Obvious Child هو أن يعطي المرأة الحرية الكاملة في التعامل مع جسدها، ومع فكرة الإنجاب، والحمل وغيرها، من تلك الأمور التي يفرض المجتمع عليها وصاية ما بكيفية التعامل معها ويضع لها "طريق مستقيم" يعد كاتالوجاً للتعامل مع مثل هذه الأشياء.

يعد أيضاً في صالح الفيلم -وينبغي الإشارة إلى أنه تم تصويره في 18 يوم فقط-  تناوله الصحي لعلاقات النساء ببعضهن البعض، فستيرن وجدت الدعم في أقوى صوره من أمها، ومن صديقتها المقربة نيللي، مما عزز أهمية العلاقات النسائية وأخرجها من قالب التنافسية -غالباً- فوق قلب رجل واحد.



هنا ينبغي ذكر أهمية السيناريو والحوار في هذا الفيلم، والذي قامت روبيسبيير بكتابته بنفسه -والفيلم أصلاً مأخوذ من فيلم قصير لها بنفس العنوان، شاركتها في كتابته آنا بين Anna Bean وكارين ماين Karen Maine- وأمسكت بزمامه جيداً، فبدت الشخصيات حقيقية، يمكن لأي امرأة تشعر "باختلافها" عن الفكر السائد والتوقعات المرئية التي يتنظرها المجتمع منها أن تتعاطف وتتفاعل معها. ناهيك عن الدعابات الذكية والتي أتت في محلها، و"الصوت" المختلف لكل شخصية من الشخصيات، وبوجه خاص النساء، فلا الأم تشبه الابنة ولا الصديقة، حتى الشخصيات الرجالية لا تتشابه فيما بينها، وقد تم كسر قوالبها عن طريق إظهار الشخصية المثالية للرجل اللطيف بطريقة أبعد ما تكون عن الابتذال سواء في رسم الشخصية الخارجي أو الانفعالات الداخلية.

ينبغي الإشادة أولاً بأداء جيني سلات Jenny Slate الحقيقي والرائع لدور دونا ستيرن، والذي تفوقت به على الكثير من نجمات الصف الأول المزعومات. 

في النهاية Obvious Child فيلم مهم وممتع في آن واحد، مما يجعله تحفة فنية لهذين السببين بالذات، ورغم خصوصيته في مناقشة قضية تبدو نسائية، إلا أنه بتناوله السلس وحواره الذكي جعل منها قضية انسانية في المقام الأول. 

1 التعليقات:

الف مبروك حبيبتى دائما متميزة ومن نجاح لنجاح ان شاء الله

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More