تعديل

الثلاثاء، 24 مارس 2015

فولكر شلوندورف.. الألماني المتمرد قارع الطبلة الصفيح



من رحم ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية، خرج المخرج المتمرد فولكر شلوندورف، حاملاً معه عددا من الأفلام والتي يعد أهمها وأشهرها فيلم الطبلة الصفيح Die Blechtrommel المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لغونتر غراس.

ولد شلوندورف في مدينة فيسبادن الألمانية، وانتقلت عائلته إلى فرنسا وهو في مراهقته، حيث تأثر شلوندورف بالمدارس الفرنسية الإخراجية وعمل مساعد مخرج لكثير من المخرجين الفرنسيين المشهورين، أبناء الموجة الجديدة التي تمردت على الإتجهات السينمائية التقليدية أمثال لويس مال، وجان بيير ميلفيل وآلان ريزنيه، ثم تعاون مع المخرج الفرنسي جان دانيال بوليه في إخراج فيلم وثائقي بعنوان المتوسط Méditerranée عام 1963 وهو العمل الذي وصفه النقاد الفرنسيون آنذاك بـ "شهب في سماء السينما الفرنسية"، و"تحفة فنية غير قابلة للتصنيف"، كما أضيف إلى الكتاب الأشهر "1001 فيلم يجب أن تراها قبل أن تموت" والذي ساهم فيه أكثر من 70 ناقدا من حول العالم بمقالات نقدية عن أفضل أفلام - في نظرهم- أنتجت في تاريخ السينما العالمية.

عاد شلوندورف إلى ألمانيا ليخرج فيلمه الأولال شابتورليسDer Junge Törless والذي حصل على سعفة مهرجان كان الذهبية عام 1966. 


منذ فيلمه الأول بدا واضح تأثر شلوندورف بتيار السينما الألمانية الجديدة، وتمرده على المجتمع في ذلك الوقت، وبدا ذلك واضحاً من خلال فيلمه الثاني الدم والرعد Mord und Totschlag عام 1967 والذي تميز بموسيقى تصويرية مميزة ألفها بريان جونز مؤسس فريق الروك الأشهر الرولينج ستونز. في هذا العام، كان شلوندورف، ابن الثلاثين وقتها هو الألماني الوحيد الذي يمثل ألمانيا في مهرجان كان.
بعد فيلمين يمثلان الثقافة المضادة، الدم والرعد 1967 ومايكل كولهاس: المتمرد عام 1969، صعد شلوندورف للنجاح العالمي بفيلم "شرف كاترينا بلوم المهدور"
Die verlorene Ehre der Katharina Blum oder1975 والذي أنتجه وكتبه وأخرجه بالاشتراك مع زوجته وقتها مارجريت فون تروته. تدور قصة الفيلم حول كاترينا بلوم والتي تنقلب حياتها رأسا على عقب عندما تكتشف أن الرجل الذي أحبته وأقامت معه علاقة غرامية هو لص اشتبه في كونه إرهابيا. في تعليق لشلوندورف على الفيلم فيما بعد، شبه التعامل الإعلامي التحريضي مع قضية كاترينا بالموقف الإعلامي من حادثة 11 سبتمبر 2001 والذي أدى إلى شن الحرب على العراق، مما يظهر تشابه الأجواء السياسية في ألمانيا ذلك الوقت بالسياسة الأمريكية المكارثية.

يعد فيلم الطبلة الصفيح
Die Blechtrommel عام 1975 هو أنجح أفلام فولكر شلوندورف على الصعيدين النقدي والجماهيري. فقد استغل المخرج المتمرد انشغال التيار الألماني السينمائي الجديد بألمانيا الواقعة تحت الحكم النازي، وضميره المؤرق بويلات الحرب العالمية الثانية والتي تسببت فيها ألمانيا، معبراً عن حالة التخبط التي عاشها المجتمع الألماني والفاشية المنتشرة بين أفراده، من خلال قصة أوسكار والذي يحصل على طبلة صفيح، كهدية عيد ميلاده الثالث ويقرر عندها ألا يكبر أبدا. الفيلم مأخوذ عن رواية غونتر غراس بنفس الاسم، وقد حقق نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا عند عرضه.
تعرض الطبلة الصفيح لانتقادات من بعض الجهات المحافظة في مقاطعة أونتاريو الكندية، لما وصفته هيئة الرقابة هناك ب "مشاهد جنس صريحة بين قاصر وامرأة بالغة". كما تم وقف عرض الفيلم في ولاية أوكلاهوما الأمريكية لنفس الأسباب.

على صعيد المهرجانات، فاز الطبلة الصفيح بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1979 مناصفة مع فيلم القيامة الآن
Apocalypse Now لفرانيس فورد كوبولا. كما حاز الفيلم على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي.  الجدير بالذكر أن قصة الطبلة الصفيح ظلت حبيسة درج غراس لسنوات، رفض خلالها منح حق تمثيلها على الشاشة الفضية حتى قابل شلوندورف والذي أقنعه بكونه جديراً بتحويل هذا العمل الثري إلى فيلم لا يقل ثراء، مما دفع غراس إلى أن يساعده شخصيا في كتابة الفيلم. 


كمعظم أبناء جيله، سحر شلوندورف بهوليوود وقرر تجريب حظه هناك من خلال عدة أفلام لم تحقق النجاح الكافي مثل سوان عاشقاً Eine Liebe von Swann1984 وقصة الخادمة The Handmaid's Tale عام 1990 والمسافر The Voyager عام 1991. ربما كان فيلم موت بائع جائلDeath of a salesman والذي أخرجه شلوندورف للتليفزيون الأمريكي عام 1985 هو ثاني أعماله الناجحة. الفيلم مأخوذ عن مسرحية آرثر ميلر بنفس الاسم، وشارك في بطولته النجمان داستين هوفمان وجون مالكوفيتش. كما رشح شلوندورف لجائزة الإيمي عن إخراجه لهذا الفيلم بينما فاز هوفمان ومالكوفيتش بها لأدائهما الذي وصفه النقاد بأنه "أفضل ما يكون".

عاد شلوندورف مثيراً للجدل في فيلمه الغول
Der Unhold عام 1996 والذي قام ببطولته جون مالكوفيتش في دور رجل شاذ جنسيا يتم القبض عليه وإلقاؤه في معسكر نازي ليمارس نشاطه في اختطاف الأطفال بدعوى تجنيدهم في الجيش الآري، بينما يشبع رغباته الجنسية الشاذة في الحفاظ عليهم بالقرب منه. ويعد شلوندورف الفيلم بمثابة استكمال لرؤيته عن المجتمع الألماني إبان نهاية الحرب العالمية الثانية ويعتبره الجزء الثاني من الطبلة الصفيح. حاز الفيلم على قبول نقدي كبير وخاصة لموسيقى مايكل نايمان التصويرية المعبرة عن أحداث الفيلم والتي استعاد فيها شلوندورف اهتماماته الموسيقية كفيلمه السابق الدم والرعد.

يمتاز أسلوب شلوندورف الإخراجي بالغوص في أعماق الشخصيات، كما يعتمد على السرد بصورة أساسية. في أعماله تبدو معاناة الفرد انعكاس لانهيار وتفكك المجتمع، كما تؤرقه هو وجيله من أبناء الموجة الألمانية الجديدة، الحرب العالمية الثانية ومدى تأثيرها في تفتيت بنية المجتمع الألماني الحديث. وتنتمي معظم أفلامه لنوعية السريالية والكوميديا السوداء، فتراه في موت بائع جائل يسخر من الحلم الأمريكي بينما يهدم الآرية والاستعلاء المجتمعي النازي في العلبة الصفيح. يبدي النقاد إعجابهم أيضاً بانتصار أفلام شلوندورف للحق والعدالة، ومدافعته عن المهمشين.


في فيلمه الحديث "دبلوماسية" 2014 يحكي شلوندورف عن واحد من أكثر الأحداث إثارة للجدل في تاريخ الحرب العالمية الثانية وهو رفض الجنرال ديتريتشفو نشوليتز تدمير العاصمة الفرنسية باريس بعدأن أمر هتلر بذلك في حالة اقتراب الحلفاء منالاستيلاءعليها.
وهكذا يظل فولكر شلوندورف، المتمرد الأكبر، أسيراً لبلده صاحب التاريخ المزدحم والملتبس، متحرراً من قيود الأساليب الإخراجية العتيقة، وعاشقاً لكل ماهو مثير للجدل في الأعمال الأدبية..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More